*خدام الإمام الحسين -عليه السلام- ذكركم باقٍ ببقاء الحسين*•°🏴
*لجنة الكفيل* بالجارودية تسلط الضوء على سيرة المرحومة *(أم عبد الجليل العيد)*
┅❁┋فاطمة جواد آل سعيد┋❁┅
ترعرعت -رحمها الله- منذ نعومة أظفارها في بيتٍ مفعمٍ بالولاء ؛ حيث كان لها أبٌ من أفاضل الرجال دينًا ، و خلقًا ، و خدمةً ، و تعلقًا بالآل الكرام -عليهم السلام- فكان لهم في بيته مأتمٌ .
و أمٌ اتخذت العفة ، و الشرف لباسًا ، وطيبة القلب شعارًا ، و حب العترة ، و المداومة على حضور مآتمهم طريقًا ، فما فتئ لسانها يلهج بمحمدٍ وعليٍ وفاطمة و أبنائهم إلى آخر أنفاسها ، فإذا كان هذا الغرس ، فكيف يكون الثمر ؟!
نشأت خادمةً للثقلين : كتاب الله ، وعترة نبيه ؛ فقد تشرفت بتعليم القرآن الكريم لمجموعةٍ من أبناء ، و بنات مجتمعها.
أما عن مسيرة العشق بمحمدٍ وآله - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - فذاك أمرٌ يطول الحديث فيه ؛ فقد آمنت بالحسين - عليه السلام - و روت قلبها الأبيض النقي بدمائه التي سالت على الأرض ظلمًا وعدوانًا، و ماتت و حرارته لم تبرد في قلبها ، و وهجه لم يخبُ.
هذا الدم العزيز عند الله ، و لدى أنبيائه الكرام -صلوات الله عليهم- أضحى جزءًا من نبضات فؤادها ، ونفثات ضميرها فأكسبها روحًا متألقةً ، و قلبًا فياضًا، بل صير حياتها مشاهدَ متواليةً من العشق ، و الحب لله ، و في الله فعاشت الرزية التي جلت ، و المصيبة التي عظمت بكل جوارحها ، و جوانحها فكأن حرملة -لعنه الله- نحرها ، و قتلها بسهم الرضيع ، وكأن سائق ناقة زينب -عليها السلام- ضربها بسياطه ، و سباها بسبيه زينب -عليها السلام- من بلدٍ إلى بلدٍ ، و كأن عطش الحسين ، و ظمأ أطفاله قد فت كبدها ، وأذاب مهجتها ، و جعل على بصرها غشاوةً عن كل ما عداه.
فانصرفت عن الدنيا ، و ما فيها الى خدمة آل بيت المصطفى لتصبح هذه الخدمة شغلها الشاغل ، و نشيدها العذب ، و الزاد الأنفع لآخرتها من كل شيءٍ ، و غدا الحب العظيم للعترة الهادية دمًا يسير في أوداجها ، و ذكرهم بلسمًا يداوي جراحها ، و مجلسهم أنسًا لروحها
و لم يثنِ جسدها المثقل بالمرض روحها المغمورة بالمودة ، والوفاء لصفوة الله من العالمين ، فهي خطيبةٌ بارعةٌ ذات صوتٍ عذبٍ حان ٍ شجي يقطع القلوب ، و يخترق الأسماع إن قرأت بكت و أبكت ، و إن امسكت تراها تنحني كأصغر خادمةٍ في المآتم - رغم الهيبة ، والوقار التي تجللها - تجمع المناديل ، وتغلف صحون البركة ، و تسقي العطاشى من ضيوف الآل ... و هذا دأب كل خادمٍ للعترة الطاهرة - صلوات الله عليهم -
والفضل كل الفضل في هذه العلقة الروحية لا لأحٍدٍ إلا للحسين - عليه السلام - الذي قَبلِها ، و أنبت حبه في قلبها ، و من يمتلئ قلبه بحب الحسين - عليه السلام - فلن ينطق هذا القلب بغير لغة الحب ، و السلام ، و الرحمة.
*كانت فيئًا وظلالاً وارفًا يستظل به مِن هجير شمس الهموم والأوجاع* كل من عرفها و صاحبها ، فتطيب روحه بما يلهج به قلبها ، و لسانها من حكمةٍ ، وموعظةٍ حسنةٍ ، و تواصٍ بالحق ، و تواصٍ بالصبر ، مستلهمةً كل ذلك من سيرة أحباء الله ، و أودائه ، و من آيات الصامت الناطق ، والآمر الزاجر كتاب الله المبين ، القرآن الحكيم الذي دأبت على قراءته ، و تعليمه ، و تقربت إلى الله تعالى بالسير على نهجه.
ومع ما أغناها الله من فضله ، و أفاض عليها من خيراته إلا أن نفسها رغبت عن حطام الدنيا و ملذاتها ؛ فكانت و ما تملك طوع أوليائه ، فإما إنفاقٌ في سبيله أو مواساةٌ ، و إدخال سرورٍ على المحتاجين من عباده
وكان كلٌّ من: اليـُتم ، و المرض ، و الفقر ، و الحاجة آلامًا تعتصر قلبها الرؤوف ، و تدمي عينها الحانية إذا ما نزلت ، و أناخت بالمؤمنين من أقاربها ، و جيرانها، فنذرت نفسها أمًا لأيتامهم ، و عونًا لفقرائهم ، و ممرضةً لمرضاهم .
و حسبها أنها جسدت القدوة بمن تحب قولًا ، وعملًا ؛ فكانت ولا زالت مثالاً رائعًا يحكي صفات خادمات الزهراء - عليها السلام – و ربت أجيالًا غرست فيهم حب الخير ، و نقاء السريرة ، و حسن النية ، و جعلت لهم مكانًا في قلبها ، و ذكرًا في أورادها ، كما لفلذات أكبادها ، فأحبوها أمًا يلتمسون دعاءها في كل شدةٍ ، وأخلصوا لها الحب ، والاحترام
*و جاء يوم الرحيل*
يوم الثلاثاء : ١٧ / ١٠ / ١٤٤١هـ و نزل القدر المحتوم ، فما أوجع الوداع ، و أمرّ الفراق
ارتحلت إلى جوار ربها مخلفةً ورائها في كل فؤادٍ حرقةً ، و في كل خدٍ دمعةً ، و في كل بيتٍ صرخةً ، لا لشيءٍ إلا لأنها تركت في القلوب بصمةً ، و في الآذان همسةً
فهذا يذكر نصحها ، و تلك تذكر توصياتها ، و صغيرٌ يلهج بحبها ، و كبيرٌ وهبت له الرعاية ، و يتيمُ آنسته مرارة الفقد ، و أغدقت عليه الحنان حتى تغلغل ذكرها في الأعماق ، و انبرى المؤمنون بقلوبٍ أشجاها الحزن ، و أقرحها المصاب ينعون فقيدتهم ، و قد حصلت منهم ببركات الله ، و أوليائه على مبراتٍ قلّ نظيرها ، و أكثر ما تتكرر قوله في ذلك اليوم ، و لا يحصى قائلوها هو : *اليوم فقدت أمي*
و قد قيلت من أناسٍ غير أبنائها ، و أرحامها ، و الأعجب من ذلك أن القائلين من كل الفئات ، فمنهم من كانوا في مثل سنها ، أو أكبر ، أو أصغر ، رجالًا و نساءً ، و كأن فقدها خسارةٌ لا تعوض ، و لكن لله الأمر من قبل ، و من بعد ، و إنا لله ، و إنا إليه راجعون.
و سلامٌ على خدم أبي عبد الله يوم ولدوا ، و يوم يموتون ، ويوم يبعثون أحياء.
نعم ، لقد ارتحلتْ عن عالمنا : امرأةٌ قلّ نظيرها إيمانًا ، و صبرًا ، ونورًا ... رمزٌ للعطاء ، و أنموذجٌ يُحْتذى في الإيثار ، قدوةٌ في الأخلاق الفاضلة ، و منارٌ للكلمة الطيبة .. كانت أمًا للجميع ، و نبراسًا للنقاء ، و الإصلاح ... عاملةٌ بالخير ، ودالةٌ عليه ... مواليةٌ أفنت عمرها ، و تفانتْ في خدمة محمدٍ و آله - عليهم السلام - حتى في أحلك الظروف .. كانت تذرف دموع الروح دمًا لمصابهم -عليهم السلام -
و رحم الله قلبًا طاهرًا فقدناه ، و حنانًا فائضًا حرمناه ، و عند الله نحتسبها
لروحها الفاتحة تسبقها الصلوات 🤲🏻
جزيل الشكر لبنات المرحومة لتزويدنا بهذه المعلومات